فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أقبل في المستن من سحابه ** اسنمة الآبال في ربابه

أي بالمال ويحتمل أن يريد خلقنا فجاءت العبارة ب {أنزلنا} كقوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأس} [الحديد: 25] وقوله: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6] وأيضًا فخلق الله عز وجل وأفعاله إنما هي من علو في القدر والمنزلة، و{لباسًا} عام في جميع ما يلبس، و{يوراي} يستر، وفي حرف أبيّ {سوءاتكم وزينة ولبس التقوى} وفي مصحف ابن مسعود {ولباس التقوى خير ذلكم}، ويروى عنه ذلك، وسقطت {ذلك} الأولى، وقرأ سكن النحوي {ولبوسُ التقوى} بالواو مرفوعة السين، وقرأ الجمهور من الناس {وريشًا} وقرأ الحسن وزر بن حبيش وعاصم فيما روى عنه أبو عمرو أيضًا، وابن عباس وأبو عبد الرحمن ومجاهد وأبو رجاء وزيد بن علي وعلي بن الحسين وقتادة {ورياشًا}، قال أبو الفتح: وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو حاتم: رواها عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهما عبارتان عن سعة الرزق ورفاهية العيش ووجود الملبس والتمتع، وفسره قوم بالأثاث، وفسره ابن عباس بالمال، وكذلك قال السدي والضحاك، وقال ابن زيد الريش الجمال، وقيل الرياش جمع ريش كبير وبئار وذيب وذياب ولصب ولصاب وشعب وشعاب وقيل الرياش مصدر من أراشه الله يريشه إذا أنعم عليه، والريش مصدر أيضًا من ذلك وفي الحديث «رجل راشه الله مالًا».
قال القاضي أبو محمد: ويشبه أن هذا كله من معنى ريش الطائر وريش السهم إذ هو لباسه وسترته وعونه على النفوذ، وراش الله مأخوذ من ذلك، ألا ترى أنها تقرن ببرى ومن ذلك قول الشاعر: [لعمير بن حباب]
فرشني بخير طال ما قد بريتني ** وخير الموالي من يريش ولا يبري

وقرأ نافع وابن عامر والكسائي {ولباسَ} بالنصب عطفًا على ما تقدم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة {ولباسُ} بالرفع فقيل هو خبر ابتداء مضمر تقديره وهو لباس، وقيل هو مبتدأ و{ذلك} مبتدأ آخر و{خير} خبر {ذلك}، والجملة خبر الأول، وقيل هو مبتدأ و{خير} خبره و{ذلك} بدل أو عطف بيان أو صفة، وهذا أنبل الأقوال ذكره أبو علي في الحجة.
وقوله: {ذلك من آيات الله} إشارة إلى جميع ما أنزل من اللباس والريش، وحكى النقاش أن الإشارة إلى لباس التقوى أي هو في العبد آية علامة وأمارة من الله أنه قد رضي عنه ورحمه، و{لعلهم} ترج بحسبهم ومبلغهم من المعرفة وقال ابن جريج {لباس التقوى} الإيمان، وقال معبد الجهني: هو الحياء، وقال ابن عباس هو العمل الصالح، وقال أيضًا، هو السمت الحسن في الوجه، وقاله عثمان بن عفان على المنبر، وقال عروة بن الزبير هو خشية الله، وقال ابن زيد هو سترة العورة، وقيل {لباس التقوى} الصوف وكل ما فيه تواضع لله عز وجل، وقال الحسن: هو الورع والسمت والحسن في الدنيا، وقال ابن عباس {لباس التقوى} العفة، وقال زيد بن علي {لباس التقوى} السلاح وآلة الجهاد.
قال القاضي أبو محمد: وهذه كلها مثل وهي من {لباس التقوى}.
قال القاضي أبو محمد: وتتصور الصفة التي حكاها أبو علي في قوله: {ذلك} لأن الأسماء توصف بمعنى الإشارة كما تقول جاءني زيد هذا كأنك قلت جاءني زيد المشار إليه فعلى هذه الحد توصف الأسماء بالمبهمات، وأما قوله فيه عطف بيان وبدل فهما واحد في اللفظ إنما الفرق بينهما في المعنى والمقصد وذلك أنك تريد في البدل كأنك أزلت الأول وأعملت العامل في الثاني على نية تكرار العامل، وتريد في عطف البيان كأنك أبقيت الأول وأعملت العامل في الثاني وإنما يبين الفرق بين البدل وعطف البيان في مسألة النداء إذا قلت يا عبد الله زيد فالبدل في هذه المسألة هو على هذا الحد برفع زيد لأنك تقدر إزالة عبد الله وإضافة يا إلى زيد ولو عطفت عطف البيان لقلت يا عبد الله زيد لأنك اردت بيانه ولم تقدر إزالة الأول وينشد هذا البيت: [الرجز]
اني وأسطار سطرن سطرا ** لقائل يا نصر نصرًا نصرًا

ويا نصر الأول على عطف البيان والثاني على البدل. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا}
سبب نزولها: أن ناسًا من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراةً، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.
وقيل: إنه لما ذكر عري آدم، منّ علينا باللباس.
وفي معنى: {أنزلنا عليكم} ثلاثة أقوال:
أحدها: خلقنا لكم.
والثاني: ألهمناكم كيفية صنعه.
والثالث: أنزلنا المطر الذي هو سبب نبات ما يتخذ لباسًا.
وأكثر القراء قرؤوا: {وريشًا}.
وقرأ ابن عباس، والحسن وزرّ بن حبيش، وقتادة، والمفضل، وأبان عن عاصم: {ورياشًا} بألف.
قال الفراء: يجوز أن تكون الرياش جمع الريش، ويجوز أن تكون بمعنى الريش كما قالوا: لِبس، ولباس.
قال الشاعر:
فلما كَشَفْنَ اللِّبْس عنه مَسَحْنَهُ ** بأطراف طَفْل زانَ غَيْلًا مُوَشَّمًا

قال ابن عباس، ومجاهد: الرياش: المال؛ وقال عطاء: المال والنعيم.
وقال ابن زيد الريش: الجَمال؛ وقال معبد الجهني: الريش: الرزق؛ وقال ابن قتيبة: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس.
وقال الزجاج: الريش: اللباس وكل ما ستر الإِنسان في جسمه ومعيشته.
يقال: تريَّش فلان، أي: صار له ما يعيش به.
أنشد سيبويه:
رياشي منكُم وهوايَ مَعْكُمْ ** وإن كَانَتْ زيارتُكم لِماما

وعلى قول الأكثرين: الريش والرياش بمعنى.
قال قطرب: الريش والرياش واحد.
وقال سفيان الثوري: الريش: المال، والرياش: الثياب.
قوله تعالى: {ولباس التقوى} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة: {ولباسُ التقوى} بالرفع.
وقرأ ابن عامر، ونافع، والكسائي: بنصب اللباس.
قال الزجاج: من نصب اللباس، عطف به على الريش؛ ومن رفعه، فيجوز أن يكون مبتدأً، ويجوز أن يكون مرفوعًا باضمار: هو؛ المعنى: وهو لباس التقوى، أي: وستر العورة لباس المتقين.
وللمفسرين في لباس التقوى عشرة أقوال:
أحدها: أنه السمت الحسن، قاله عثمان بن عفان؛ ورواه الذيَّال بن عمرو عن ابن عباس.
والثاني: العمل الصالح، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: الإيمان، قاله قتادة، وابن جريج، والسدي؛ فعلى هذا، سمي لباس التقوى، لأنه يقي العذاب.
والرابع: خشية الله تعالى، قاله عروة بن الزبير.
والخامس: الحياء، قاله معبد الجهني، وابن الانباري.
والسادس: ستر العورة للصلاة، قاله ابن زيد.
والسابع: انه الدرع، وسائر آلات الحرب، قاله زيد بن علي.
والثامن: العفاف، قاله ابن السائب.
والتاسع: أنه ما يُتَّقى به الحر والبرد، قاله ابن بحر.
والعاشر: أن المعنى: ما يَلْبَسه المتقون في الآخرة، خير مما يلبسه أهل الدنيا، رواه عثمان ابن عطاء عن أبيه.
قوله تعالى: {ذلك خير} قال ابن قتيبة: المعنى ولباس التقوى خير من الثياب، لأن الفاجر، وإِن كان حسن الثوب، فهو بادي العورة؛ و{ذلك} زائدة.
قال الشاعر في هذا المعنى:
إنِّي كأنِّي أرَى مَنْ لا حَياءَ لَه ** وَلاَ أمَانَةَ وَسْطَ القَوْمِ عُريانا

قال ابن الأنباري: ويقال لباس التقوى، هو اللباس الأول، وإنما أعاده لِما أخبر عنه بأنه خير من التعرِّي، إذ كانوا يتعبدون في الجاهلية بالتعرِّي في الطواف.
قوله تعالى: {ذلك من آيات الله} قال مقاتل: يعني: الثيابُ والمالُ من آيات الله وصنعه، لكي يذّكروا، فيعتبروا في صنعه. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا} فيه أربع مسائل:
الأولى قوله تعالى: {يا بني آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} قال كثير من العلماء: هذه الآية دليل على وجوب ستر العورة؛ لأنه قال: {يوارى سَوْءَاتِكُمْ}.
وقال قوم: إنه ليس فيها دليل على ما ذكروه، بل فيها دلالة على الإنعام فقط.
قلت: القول الأوّل أصح.
ومن جملة الإنعام ستر العورة؛ فبين أنه سبحانه وتعالى جعل لذريته ما يسترون به عوراتهم، ودل على الأمر بالتستر.
ولا خلاف بين العلماء في وجوب ستر العورة عن أعْيُن الناس.
واختلفوا في العورة ما هي؟ فقال ابن أبي ذئب: هي من الرجل الفرج نفسه، القبل والدبر دون غيرهما.
وهو قول داود وأهل الظاهر وابن أبي عَبْلة والطبري؛ لقوله تعالى: {لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ}، {بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا}، {لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا}.
وفي البخاريّ عن أنس: «فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زُقاق خيبر وفيه ثم حَسَر الإزار عن فخذه حتى أني أنظر إلى بياض فخذ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم» وقال مالك: السرة ليست بعورة، وأكره للرجل أن يكشف فخذه بحضرة زوجته.
وقال أبو حنيفة: الركبة عورة.
وهو قول عطاء.
وقال الشافعيّ: ليست السرة ولا الركبتان من العورة على الصحيح.
وحكى أبو حامد الترمذي أن للشافعيّ في السرة قولين.
وحجة مالك قوله عليه السلام لجَرْهَدٍ: «غطِّ فخذك فإن الفخذ عورة» خرجه البخاريّ تعليقًا وقال: حديث أنس أَسْنَدُ، وحديث جرهدٍ أحوط حتى يخرج من اختلافهم.
وحديث جَرْهَدٍ هذا يدل على خلاف ما قال أبو حنيفة.
وروي أن أبا هريرة قبَّل سُرة الحسن بن عليّ وقال: أقبل منك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منك.
فلو كانت السرة عورة ما قبَّلها أبو هريرة، ولا مكّنه الحسن منها.
وأما المرأة الحرة فعورة كلها إلا الوجه والكفين.
على هذا أكثر أهل العلم.
وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها» ولأن ذلك واجب كشفه في الإحرام.
وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها.
وروي عن أحمد بن حنبل نحوه.
وأما أمُّ الولد فقال الأثْرَم: سمعته يعني أحمد بن حنبل يسأل عن أم الولد كيف تصلِّي؟ فقال: تغطِّي رأسها وقدميها؛ لأنها لا تباع، وتصلي كما تصلي الحرة.
وأما الأَمَة فالعورة منها ما تحت ثديها.
ولها أن تبدي رأسها ومِعصميها.
وقيل: حكمها حكم الرجل.
وقيل: يكره لها كشف رأسها وصدرها.